الأشموني الذي حقق حلم أفلاطون
الأشموني الذي حقق حلم أفلاطون
في أحد أيام عام 1932 وقبيل فوز الأديب الإنجليزي "جون غلزورثي" بجائزة نوبل للأدب، ولد محمود العربي لأب مزارع وأسرة فقيرة، في قرية أشمون والتي تتبع لمحافظة المنوفية في مصر، المحافظة التي ظلت تنجب الرؤساء والوزراء إلى وقتنا الحالي. أرسله والده إلى «الكتاب» وهو في الثالثة من عمره لحفظ القرآن الكريم، ثم ساءت الظروف الاقتصادية لعائلته؛ فلم يتلق تعليما مدرسيا. ليبدأ مشواره التجاري بـ 40 قرشا وهو ابن الخامسة، حتى تعلم جميع الحيل من خلال تجربته واستفاد من جميع الفرص التي سنحت له على أفضل وجه. وبعد وفاة والده، انتقل العربي إلى القاهرة للعمل، وامتلك عمله الخاص، واستمر بالتطور في عمله حتى بداية السبعينيات، والتي سعى فيها محمود للحصول على توكيل شركة عالمية رائدة في صناعة الأجهزة الكهربائية، فتعرف على ياباني يدرس بالجامعة الأمريكية في القاهرة، كان دائم التردد على محلاته، ولحسن الحظ، كان هذا الشخص يعمل لشركة توشيبا اليابانية الرائدة في صناعة التكنولوجيا حينها، ليكسب بعدها التاجر محمود ثقة توشيبا ويؤسس شركة "توشيبا العربي" في عام 1978 وتستمر سلسلة النجاحات والتوسعات التجارية، ويكتسب بكل جدارة لقب (شهبندر التجار) والتي تعني شيخ التجار.
قد تظن أنها قصة رائد أعمال كبقية رواد الأعمال، ذكرناها لنركب موجة المحتوى العالمي في ريادة الأعمال وغيرها، لكن القصة لم تبدأ بعد!
على الرغم من أن إمبراطورية العربي وصلت لأكثر من 40 ألف موظف إلا أن محمود كان يعامل موظفيه بطريقة فريدة، وهنا يتضح اختلاف محمود عن بقية رواد الأعمال وأصحاب القرار ، لأنه دائما ما يردد عبارة "هؤلاء يعملون معي وليس لأجلي" ويعتبر موظفيه ما هم إلا شركاء له في العمل، حتى أنه وضع قواعد تنفيذية لصالح الموظف! إذ يحصل الموظف على نصيب من أرباح الشركة، بعد إكمال عامين من بدء العمل فيها، كما يحظى العمال وأسرهم على ميزات اجتماعية خاصة! من أبرزها تعليم الأبناء ورحلات الحج والعمرة.
لم أود ذكر إيجابيات هذا النمط أو العائد منها، حتى لا أضفي على القصة جانب مادي أو تعاقدي، إلا أنه يجب علي ذكرها! اتباع هذا النمط في تعامله مع موظفيه أكسبه احترام وتقدير جميع الموظفين، وحملت هذه الاستراتيجية جوانب إيجابية عديدة، منها زيادة الولاء والانتماء ومعدلات الاحتفاظ بالموظفين، خصوصا الأكفاء منهم لأطول فترة ممكنة، مع إمكانية رفع كفاءة العمل والإنتاجية والتركيز، لأنهم يشعرون بالتقدير والاحترام والمسؤولية لكونهم شركاء في العمل، حيث تجلت إنسانية محمود في سنة فايروس كورونا والتي توجه لهم برسالة قال فيها "المركبة ستستمر في سيرها بأمان وسلام" ليشعرهم بالثقة والأمان على وظائفهم وأعمالهم.
استطاع محمود أن يخلق بيئة عمل مثالية، في مجال تجاري وعملي صعب مثل مجال الصناعة، ليحصل فيها الموظف على تقدير واحترام الشركة، وتحصل الشركة على تركيز وإخلاص الموظف. لذلك نستطيع القول عن هذه البيئة أنها هي (يوتوبيا) تلك الأسطورة التي حلم فيها أفلاطون وحققها محمود العربي، ابن قرية أشمون، رحمة الله عليه.
لا ينقص المنشآت، وصناع القرار، الإنسانية أو القدرة حتى يفعلون ما فعله محمود العربي، بل ينقصنا هذه الثقافة، ثقافة مفهومنا عن بيئات العمل والموظفين، ثقافة تؤثر علينا ليكون العنصر البشري هو الأهم في منظومة العمل، ثقافة الموظف قبل المال. ولهذا نحتاج في منطقتنا العربية لتعزيز هذه الثقافة عن طريق الجامعات والصروح العلمية أو عن طريق مجتمعات فعّالة، تجمع مسؤولي الموارد البشرية والرؤساء التنفيذين وصناع القرار والمؤثرين في هذا المجال، مثل مجتمع (يوتوبيا بيئة العمل) في لنكدإن!
وش هو مجتمع يوتوبيا بيئة العمل؟
مجتمع عربي رائع وخفيف يجمع صنّاع القرار والمسؤولين والمؤثرين في الموارد البشرية للنقاش وتبادل الأفكار والمعلومات في مجال تعزيز سعادة الموظفين وخلق بيئات وظيفية أفضل.
طيب وش أهداف يوتوبيا بيئة العمل؟
ببساطة نسعى من خلال يوتوبيا بيئة العمل لتعزيز مفهوم سعادة الموظف وأهميته من خلال نقاشات وورش عمل ومشاركة تجارب المهتمين في هذا المجال